الخطابات الكاذبة وصناعة الوهم مقاربة سيميائية

Abstract

قسّم العلماء القدماء والمحدثون الخطابات قسمين بحسب مرجعهما : خطابات صادقة ، وأخرى كاذبة . وعُنيت الدروس (اللغوية والأدبية والكلامية والفلسفية ) بالقسم الأول ، ويسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على القسم الثاني المتعلق بالخطابات الكاذبة ، وكشف أنساقها التي تتشكل بحسب نوع تلك الخطابات . والتفت النقاد العرب إلى أن الخبر أما أن يكون صادقا أو كاذبا على وفق رؤيتهم المنطقية ، وبالقياس إلى ما يكوّنه المرجع الواقعي وتطابقه مع صيغة الخبر ، وهذا من أبسط المفاهيم للخطابات الكاذبة ، ويفتح هذا المفهوم أمامنا للحديث عن النسق المنطقي الذي على وفقه وُجه النظر إلى الدوال اللسانية بوصفها وجودا يمثل الوجود الذهني للعالم ، إلا أن الأمر أكثر تعقيدا من هذا المفهوم ، فيمكن أن يكون هناك نسق آخر نسميّه النسق الاحتمالي لأن مفهوم الصدق نسبي بحسب الدلالة على الشيء أو المضمون المراد في الخطاب ، وبهذا تتنوع النتائج بقدر الاحتمالات المتاحة في كل واقعة .والنسق الرابع يعتمد على المتلقين الذين يمكن أن يجعلوا من تلك الخطابات خطابات صادقة أو كاذبة ، أي أنه يمكن للمتلقين أن يسهموا في صناعة الوهم عندما يتفاعلون مع الخطابات الكاذبة ، ويتعايشون معها ، وقد فتحت الدراسات الفلسفية منذ القدم هذا الباب من التأويل ، وعدّت إن بعض التعبيرات الإنشائية خطابات كاذبة ، لكنها تقع ضمن قسم فني ينتج عنه فعل الإيهام ، وله تأثير جمالي في النفس الإنسانية .ولذلك يمكن أن نعدّ نسبية الخطابات بحسب مفهوم الصدق والكذب صناعة اجتماعية يروّجها الاستعمال ويتقبلها ، ويتقبل صناعة الوهم فيها .